في شفتيْ الكلام زنابق تتورّد على خدِّ الليل. تبرقُ في عينيهِ أحزانُ المدنِ المرسومةِ في النسيانْ. تنحتُ الأيّامُ درباً مُطمئناً على هامشِ البدءْ. كثيراً يمرُّ العدمُ مادّاً لسانه وفي مشيتهِ اعوجاج يُؤجّجهُ التشابه. وغالباً أبوابُ البداياتِ تتركُها الريحُ الماكرةُ مواربةْ. مرضاةُ الغيمِ يأتي متأخّراً حينَ يهبطُ الأنبياءُ على سواحلِ المعنى الذي توارى في التأويلْ.
.. وقالتْ النارُ للصحاري ويلٌ للعطشى. والعطشانُ قالَ ويلٌ للنارِ من قسوتِي. وبقيتْ الصحراءُ مُغْمِضةً عينيها ذاهبةً في التخيّلِ.
كعادةِ الأملِ في الخروجِ من عتمةِ الجهات؛ خرجَ من شِبَاكِ ذاتِهِ إلى أسَاور النارِ باحثاً عن وردةِ النجاةِ الوحيدةِ التي خلّفها القادمون من بهاءِ الرواياتْ.
سألَ العابرين عن أثرِ الأسئلةِ وأقدامِها والدروبِ التي سارتْ إليها. وما دلّهُ الغناءُ المبحوح في ليالي الاحتراق. دلّله صمتُهُ الرهيب ودلّكَ روحه المتوجِّسة والمتوحِّشة. رأى في منامهِ حروباً قادمةً وبشراً ممسوخين وقلوباً مفتّتةً فاستيقظ على عرقِهِ الغارقِ في لمعانه الباكي. أشعل أصابعَهُ في الكتابةِ عن الجدران التي تحتفظُ بمخطوطاتِ من مضوا. فكان جسدْ. نفضَ غبارَ العابراتِ جميعهنَّ إلى الحلمِ الأوّل. بحثاً عن البراءةِ الأولى. مستدرجاً هباءَ أيّامِهِ إلى سريره. مُقلّماً أظافرَ العدمِ مُفرشياً أسنانَهُ غاسلاً وجهَهُ ألبسَهُ أناقةَ أسماءَ غرّدتْ. عطّرَ المسافةَ بحزنِ المُخيِّلةِ النابعةِ من عين دليله الغافي.
تسلّقَ وقتَه في مرايا عمياء. مرّرَ الأشياء القاسية عاديّةً وستألفَ افتراسها في صدره. تركَ الاحتراق يأكله كلَّه. رسمَ بيتاً صريحاً وعارياً ويقظاً على صمتِهِ الطويل.
قال: لهذا الليل أن يطولَ في بُحاتِهِ وصوتكِ الذي فيه يتصعّدُ أغانٍ من أنينِ العصافير النائمة وتحلم بطيراناتها.
قال: لهذا الصمتِ الطارئ أن يتجلّى في مرايا البابونج الذي يليه ينسون الرعشة السارية في صدري فيما عسل نهديك يفيضُ بدفءٍ يراني على مذبح السُّعال أهذي بالذي سيأتي ولا يأتيان بكاملِ مللهما لينقذاني من غرقٍ بدورِهِ يهذي.
قال: أغنّي للمتاهات البعيدة ودمي متاهة. يتيه الليمونُ في الشاي لتمرّ مرارتهما على شفتيّ في عتمةٍ ترفضُ الأدويةَ التي هي دونك.
قال: أُمسكُ الغاباتِ من خاصراتِها وأرقّصُها على إيقاعِ القلبْ. وقلبي نبضُهُ يركضُ في براري تعبقُ بعطوركِ المجبولة بذكرياتٍ لا تنامُ.
قال: أَحْلُمُ أَيّاميَ وأحْمِلُها إلى برازخَ من جنونٍ في عروقِ أعْنَاقٍ مِنْ تراتيلَ وصلواتٍ.
لذا أخذتُ اسميَ عن تذكارٍ قديمٍ وخبَّأتهُ منفيّاً في صمتي.
قال: أخذتُ نومي عن حائط البيت المُقشّر وطويته ومن ثَمَّ حَفِظتُه بينَ دفّتي كتابٍ يتحدّثُ عن المُنى.
قال: أخذتُ رقصي عن الستائر ومن قلبِ الضوءِ سحبتُهُ وأشربْتُه كأسَ فرحٍ كالعادةِ وقلتُ لهُ خُذْ أنفاسي وارحلْ بعيداً عن الظلالْ.
قال: أخذتُ قلْـبي مِنْ تقلّباتهِ وقلّبتُه على نارِ السكِيْنَةِ كي ينضجْ.
توارى في التأويلْ
يوسف القدرة