أنا الذي لم أقتل حتى الآن
في الحروب أو الزلازل أو حوادث الطرق
ماذا أفعل بحياتي؟
بتلك السنوات المتماوجةِ أمامي
كالبحر أمام البجعه؟
بعد أن ذهبت زهرةُ كلماتي
على رسائل وطلبات الاسترحام
ورُسم مستقبلي
كما تُرسم البطة على لوح المدرسه
هل أعبِّرُ عن أحلامي
بالهمس واللمس كالمكفوف؟
أم أتركها تسيل على جوانب رأسي
كصمغ الأشجار الاستوائيه؟
أيتها النوافذ
قليلاً من هواء الغابات
انني اختنق
ورئتاي جاحظتان خارج صدري
كعَيْنَيْ اليتيم
وصوتي ضالُّ كالرعد
يعرف أجيالاً مقبلة ينشدها
ولا فماَ قديماَ يعود إليه.
أيها البناؤون ادعموني بحجر
إنني أتصدع
كالجدران التي خالطها الغش
أنهار
كالقمم الثلجية تحت شمس الربيع
آه
لو يتمُّ تبادلُ الأوطان
كالراقصاتِ في الملهى.
الوشم
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره
سوى الاسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمه
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما أن أرى ورقةً رسميةً على عتبه
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل صرّه
بل بحبل مشنقة
رجل على الرصيف
نصفُهُ نجوم
ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه
ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل
وراء كل نافذه
شاعرٌ يبكي، وفتاةٌ ترتعش،
قلبي يا حبيبةٌ، فراشةٌ ذهبيه،
تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .
كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار
ولأهدابك الصافيةِ، رائحةُ البنفسجِ البرّي
عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين،
أحلم بالغروب بين الجبال،
والزوارقِ الراحلةِ عند المساء
أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني.
فهنا على الكراسي العتيقه
ذاتِ الصرير الجريح،
حيث يلتقي المطر والحب، والعيون العسليه
كان فمك الصغير،
يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر
فترتسمُ الدموعُ في عيني
وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه
كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ.
لقد كنتِ لي وطناً وحانه
وحزناً طفيفاً، يرافقني منذ الطفوله
يومَ كان شعرك الغجري
يهيمُ في غرفتي كسحابه ..
كالصباح الذاهب إلى الحقول.
فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان
واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره ..
ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء
أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً، وغيمة غيمه
يا أشجار الأكاسيا البيضاء
ليتني مطرٌ ذهبي
يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط
أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده
لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها
كطير استوائي حنون
ليتني أستطيع التجول
في حارات أكثرَ قذارة وضجه
أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم.
لقد كانت الشمس
أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي
والسماء الزرقاء
تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه
كشرانقَ من الحرير
يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم
يوم كان تاريخنا
دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف.