فجيعة الأنا
فادي عزام
من أنا ؟
أنا الرّقم في حواسيب البنوك وأجهزة المخابرات
أنا الزّبون لدى تجار الحياة
أنا اللاشيء الذي يشغل حيزه على الكرسي
أنا الغريب أينما حلَّ.
أنا العطش الذي يفور بالينابيع
المبهم الذي يعرفه الجميع
المارثوني الذي ما زال يركض خوفا من الافتراس
النّاجي من مجزرة الوطن
والشّاهد الملك على جريمة اغتيال حياتي
الصدى لموتى يجوبون الفراغ بقلوب تنزف بالحنين
رفيق الأشباح الهامسة
وهي تخرمش أظافر النّور
على جدار المقابر التي تسمى بيوتا
أنا اللا أحد
لا أثر لي إلا على الرّمل
خطوتي كلما دعست انمحت
أنا المعطر بكل أنواع الجرائم
ولم أقتل أحدا حتى الآن
جسدي تفترسه قطعان ذكريات الآخرين
أنا الرّجل بلحية لم تحلق بشفرة منذ عشرين عاما خوفا من أن أفقد التوازن وأقع للخلف
أنا المنهوي من شاهق وكلما وصلت هويت
أنا المجعلك مثل أوكورديون قديم
يكفي أن تلمسني يد خفيفة لأعزف
أنا الظّهر الذي يعشق الطّعن بالسّكاكين الشّقيقة
أنا كلّ الهجرات السّامية إلى رافدي جسد الحبيبية
أنا الرّحّال إلى أغوار النسوغ التي تمدني بالقدرة على الافتراس
أنا المدان قبل أن أفعل شيئاً
والبريء الذي سبب الأذى للعشرات من دون أن يرفّ له قلب
أنا المشكك بالحواس
الواثق من الحلم المؤمن بالغيب
المكلّف بأمر وحيّ روحيّ بتوزيع النبوءة على جسدي
أنا مستكشف التّضاريس الحميمية
في بحيرة السّرة ومثلث الموت
تحت إبطي الحبيبة
أنا حفار القبور
الذي أقلق راحة الشّعراء
ونكش جثثهم
واستغل موتهم لأفهم بعضا من معاني حياتي
أنا القرميدة المشوية على السّطح أعالي المنازل
أرقب المدينة والسّياح
وأترقب التقاط إشارة غامضة من الغيب
لأكتشف أن الحياة صالحة في مكان أخر
ولكن نحن غير الصّالحين.
أنا الصّديق الذي يرقب براءة أصدقائه كيف تذبح كلّ يوم
في أروقة الوحدة والخوف والهروب.
أنا المدان بجريرة الصّدق
أنا المتّهم من الأقربين بالكذب والكسل
أنا المتوهم الشّديد الواقعية
أغني ليلة عيد كطفل لم يبلغ الرّابعة
كلما اشتهى جسد امرأة.
أنا السّوري الهارب من بلدي
إلى بلاد هاربة مني.
أنا اللاجئ الذي لا يعرف ماذا اقترف
ليستحق كل هذه الأوراق
كي يمنحوه حق اللجوء!
أنا القارئ النّهم أجهل أبجديات الإتيكيت
أنا الذي سيدخل النّار لأنه سرق من جيب أبيه عشر ليرات
واشتهى زوجات كثيرات، تحدث كثيرا بعكس ما تأمره رغباته
أنا العاشق الذي لا يعرف كيف يحب
واللئيم الذي لا يعرف كيف يكره
لكني بصقت في كأس الشّاي لمن أزعجني
وقرأت كتاب السّحر الأسود بجدّية كاملة، لأنتقم ممن سرقني.
أنا العربي المصاب بأعذب الشّعر
أعجن لغة العرب بماء الذهب وأعجز عن الكلام.
مازلت كما خلقني الله عاريا صارخا أحتاج الرّعاية والثّدي
أنا عاشق لهذه الحياة
أشتهي شتائمها الطّازجة
منصت لمكامن أوجاعها
أصيخ السّمع لوقع ندف الثّلج على الأرض
ولانسراب الشّعاع على مهل فوق بركة
فتنتة امرأة طافت بالفتنة والتّجربة
مازالت تحمل من الماغما ما يكفي لتدمير أربعين بومبي.
أنا الفضيحة بثياب فاخرة
لا أتقن الاعتناء بثيابي
فدائما هنالك طرشة حبر لا أعرف كيف تظهر على جيوبي
أنا المعجزة التي لم يتم الانتباه إليها
المعجزات دائما موجودة
مكتشفو المعجزات رعاة الخيال، حادوا الذكاء، تم حبسهم في قصور السّراب وأثق أن ذكيا ما سيكتشفني يوماً
أنا الذي يحبّ النّساء الأقل جمالا
لأنهن الأكثر كمالا في الفراش.
أحب البساطة بكلّ شيء ما عدا الجسد والنّبيذ والكلمات
أحبّ البلد الذي أنهكني
وسرق شبابي
وأسلمني إلى مدن العالم كي أبحث عنه.