ستة قصائد
أسماء عزايزة
استعارة
ولو استعاروا من الغابات غموضها الضروريّ للصورة
كذبوا
وفُضحتْ
ستظلّ مدننا المتسوّلة التي تسقط خائبةً مثل سخلةٍ مذبوحةٍ
التي تغتصبنا بعصي المكانس من فروجنا
هي الغابات بحالها
أعلنتْ أمّي من المطبخ سقوط بغداد
كانت أممٌ ورؤوسٌ بشريّةٌ حليقةٌ لا نهائيّةٌ تقف في صالون البيت
وغاباتٌ مفضوحةٌ تنتحبُ
وليس ثمّة من غموضٍ سوى في كتبهم
وكلّما استعاروا من البحر زرقته ليصفّوا النوايا
تهاوت أمّهاتهم في أفواه الأقراش
ولو صدقتُ في أن أقول في قصيدةٍ "الحبّ أعمى كالمذابح"
كذبتُ
سينتقم منّي ضحاياها
لأني تماديتُ في التشبيه
وينزعون حبّك عن جلدي
كذبتُ حين شبّهتُ رغباتي بالنّمور
فالأخيرة جبّارة والأولى نذلة
حين استدرتُ عطف القرّاء على قلبي
فجعلته يذوي مثل يقطينةٍ وكذبتْ
تركته يصفرّ كأوراق العهد القديم وكذبتْ
حوّلته إلى اسفلتٍ يغلي وكذبتْ
وصفته بحفرة صرفٍ صحيٍّ وكذبتْ
أجسلته على خازوقٍ حادٍّ وكذبتْ
وما كان إلا طينًا أخرسْ
حين استبدلتُ جلسات العلاج النفسيّ
بقصائد مجانيّةٍ لأنجو
وأفرغتُ فيها أدمغة من سبقوني
فتعاظم الكذب مثل هشيمٍ في غابة
عفوًا
هل تماديتُ مرّةً أخرى؟
أقصد تعاظم الهـشـ.. الكـ.. الهشيم مثل كذب
المهم
ليست مشكلة الشعراء في أنّهم كذّابون
المأساة في تصديقهم الأعمى
..
..
كالمذابح
قصيدة مذبوحة
أنا معجبةٌ جدًّا بسير الأنبياء
قراءتها تشبه شراء ورقة يانصيب
ثمّت فانتازيا طويلة عن حياةٍ هانئةٍ
فارغة حتّى الكمال. متأمّلة لدرجة أنّك قد تسمع الله بأمّ أذنك. وقد تُلقّن كلامًا ولا في خيال إنسيّ.
وقد ترى ألوانًا فوق بنفسجيّةٍ وتحت حمراء. وقد تكلّم ضفدعًا. وقد تزيح عن قلبك ألم جبلٍ بأكمله. وقد تخلّص العالم من عادته في أكل فضلاته
هذه ليست لعبة يا محترمين
ليست نزهةً لكتابة قصيدةٍ تافهة
ليست هميانَ يومٍ في وادٍ عابر
تأمّل الأنبياء كثيرًا حتّى صاروا كذلك. تبصّروا وجَفَتْ حدقاتهم ضفاف بعضها حتّى قالوا لنا
ما ظللنا نردّده آلاف السنين.
أنا أيضًا أريد أن أقول كلامًا كهذا
فخيالي بحجم جحر فأرٍ. فئرانه اللماحةُ المتذاكيةُ وُجدت مذبوحةً على بابه
أريد أن أقول كلامًا عن الذّبح
عن الخيام التي ذُبحت في بلادٍ مذبوحة. عن أصحابها الذين سقطوا من فروج أمّهاتهم مذبوحين أصلاً
عن أمّهاتٍ يُذبحن في المخازن والآبار كالدّجاج بسكاكين أولادهم
هذه ليست لعبة يا محترمين
هذه ألوانُ فوق بنفسجيّة وتحت حمراء. حتّى الـacid لا يستطيع إليها. وعلينا أن نكون أنبياء أو مجانين حتّى نراها.
أريد أن أقول كلامًا عن بلادتي تجاه الوطن
وعن سوداويّتي التي لا تتوافق مع عمري الربيعيّ الذي يصنع الأمل
لست صانعةَ أملٍ ولا ما يحزنون
أغسل أدمغةَ أصدقائي وأقول لهم إنّ هذا الوطن بحجم جحر فأرٍ وأجرّهم إلى أبواب الطائرات
أريد أن أقول كلامًا عن هؤلاء الذين ليس لديهم طائرات ليجرّوا إلى أبوابها. ولمّا خرجوا ليطالبوا بطائرة، ذبحوا ورجعوا في ثلاجاتٍ مثل صناديق الخضار
لكنّي لن أقول
فعنقي قصير ولست أرى قيعان الآبار
حياتي مجرّد خطٍّ متكرّر من البيت إلى العمل ومن العمل إلى البيت
في الطريق أرى فتياتٍ يصعدن الحافلات بخفّة الدجاج
وأوراق يانصيب تنعف سماء المدينة
وأنبياء مذبوحون
ينهشهم الذباب
أنا وهولاكو
قرّرتُ أنّ أهدّئ من روع الابتسامات التي رسمتُها في وجوهكم
لا تصدّقوا هذه الطِيبة التي ورّثني إيّاها الفلاحون بالقوّة
فأنا ليس عندي غضبٌ على الآباء الذين يضعون أطفالهم في الأفران
أعتبره مجرّد تصحيح خطأ
ليس عندي غضبٌ على هولاكو
أعتبره فضوليًّا أكثر من اللازم
ليس عندي غضبٌ على الدكتاتوريّات التي تشبه تنانير الغجريّات المتسوّلات في البلاد الإسكندنافيّة
ليس عندي غضبٌ عليكَ. أوقعتَ المملحة على جرحي دون أن تقصد، مارًّا فوق صدري مثل نسرٍ. وعندما تجوع تمزّق خرافي بأظافركَ التي تظاهرتَ بأنّها أداةٌ للعزف على آلتكَ. كلانا عزف عن التفكير بالخراف. لم نَعُدْ نشفق عليهم بعد أن اختفوا تمامًا في معدتك.
غضبي المنسيّ مثل زقاقٍ في القدس القديمة
مثل صورنا التي لم تَعُد تفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
أسحقه مثل ناموسةٍ عجوزٍ وبطيئةٍ لا تفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
عندي تساؤلٌ بسيطٌ حول الموت الذي لا يفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
الموت الذي كان يرسمه هولاكو وهو في الخامسة
أنا شخصيًا كنت أرسم مشانقَ فارغةً مهيّأةً
وصواريخَ حرّةً ستحلّق في السماء مثل طيورٍ أسطوريّة
كبرتُ
وكبر ندمي على خيالي الشرير
وكنّا، أنا وندمي الذي لا يفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
نتفرّج على صواريخ تحلّق عاليًا في الجوار
ثمّ تسقط بلطفٍ على رؤوس أصدقائنا
بوزي المدبّب
أفكّر بالكهوفْ
أفكّر بالأمعاء الخاوية مثل الكهوفْ
أفكّر بالخواء الذي نحتاجه حتّى نخرج من أمعاء الزنازينْ
أفكّر بالزنازين
والكلاب التي عند أبوابها تبسط خصيتيها ذات اليمين وذات اليسار
هناك خارج هذا الكهف قطارٌ سريعٌ
وأناسٌ يدسّون أمعاءهم بالشّهوات ويطلّون من شبابيكه كفراخ الطيور من الأعشاش
أبوازٌ تفغر فغرًا
أبوازٌ مدبّبةٌ كأنّها قبل أن يصقل الله شكلها النّهائي
أبوازٌ تشبه المؤخّرات
قطارٌ سريعٌ تقوده قافلةٌ من الكلاب. ذات اليمين وذات اليسار. وهذا الكهف الوسط. الوسط يعني التحت. الوسط يعني الخارج
خارج الحياة أرى قصيدتي
أكتب عن الحبّ وأنتم تتعصّرون من الجوع
أكتب عن الجوريّة التي أزهرتْ في حديقتي
وفي ظلّها تَبْسِط قصيدتي خصيتيها
وتفضح عرضي
عرضي الذي فُضح بسببكم. أمعاء ١٦ ألف أسيرٍ تصير حبلاً عضليًّا طويلًا وتشنقني في حديقتي
ذات يمينهم حائطٌ
من عندي
نافذةٌ على البحر ودفترٌ دوّنت فيه
سؤالاً عن دور الكلب الغامض في سورة الكهف
أظافري تطول لأنّي أصرّ سدىً أن أعزف الجيتار
شعري يطول لأنّهم علّموني أنّ شعر الأنثى على الأغلب طويل
ثرثرتي التي تشبه الصّمت، تَطول
صمتي هذا الذي تسمعونه الآن
يَطول
ذات يسارهم حائطٌ يَطول ويوغل في نفسه
كأنّ الاسمنت جدٌ أو حفيدٌ أو جيلٌ بأكمله
من عندي
اسمنتٌ مفتوحٌ كالأبواز التي تشبه المؤخّرات
بابٌ سأخرج منه كي أَرفُش في بطن قصيدتي
وأستعيد شيئًا من كرامتي
سأبدأ بالتفكير بهذا الجدّ
لكنّي لم أرَ أيًا من أجدادي
بالجوع
لكنّي لا أسمح لنفسي بأن أعرفه جيّدًا
بالساعات التي تتكاثر فيها الوحدة مثل الجراد
لكنّى لا أكاد أَعُدّ منها حتى أنتهي في سريري الباذخ
بالسّجان
لكنّي أتخيّله أبلهًا ذا بوزٍ مدبّبٍ
ولسانٍ من ذاك الضرب الذي لا يُسَيطر على سحوله
بالظّلم
فأتحوّل إلى صحفيّة بوظيفةٍ كاملة
أفكّر برأسي الخاوي مثل كهفٍ
أفكّر بالحياة المروّعة التي ينبغي أن أحشوها في رأسي حتّى أخرج بقصيدة جيّدة
انعكاس
أمس، سلّمتُ قصائدي كلّها للناشر. أشعر بأنّي سلّمتُه رأسي
وأنّ الكلمات التي سأنطق بها بعد الآن
ستَخرج من فمه
يا لهول المصيبة
المصائب لا تأتي فرادى، بل جحافل مثل قطيعٍ جائع
هكذا قال مرّة شاعرٌ ومات
أما أنا فلم أقل شيئًا
منذ أن فرّطت بقصائدي
صار الشّعراء يسكرون كلّ ليلةٍ تحت شبّاكي ويلقنوني قصائد حكيمة
وأنا أمقت الحكمة، وأمقت أفعال الأمر
دعوتهم إلى بيتي، نحرتهم مثل خرافٍ سمينة وتعشّيت عليهم
ومع ذلك، لم أسترجع صوتي الذي رأيته من الشّباك مصلوبًا على قمّة الجبل
أصبحت مجرّد انعكاسٍ لشجرةٍ جرداء في بقعة ماء على الطريق
لا تعبروا فوقي
وظلّلوني من شمسٍ قد تمرّ فتبخّر جذعي
ربّما عندها سأقول كلمتي
سأقول إنّ المصائب قد تخمد إن لم تطعموها مزيدًا من الحطب
لكنكم لم تسمعوني
وكان الجبل من حطبْ
أسطورة
اشتقّ العربُ لفظة "أسطورة" من اللفظة اللاتينيّة "Istoria"، أي تاريخ. وكان ذلك أذكى ما فعلوه
كان التاريخ كلبٌ مقيّدٌ إلى شجرة. فمرّ الناس وأشفقوا على حريّته التي يسيلُ لعابها من الجانبين. تمتموا كلماتٍ ومضوا. مرّ آخرون وطبطبوا على ظهره، فنبحت نواياهم وفزعوا. مرّ آخرون وركلوه كأنّه حجر عثرة، لكنّه لعق أقدامهم وكانت حلوةٌ على لسانه. أما الكلب، فلم يكن يفكّر سوى بالطريقة التي يستطيع فيها أن يكون هو الشجرة وأن يكون المارّون مربوطين إلى جذعه.
ولو استعاروا من الغابات غموضها الضروريّ للصورة
كذبوا
وفُضحتْ
ستظلّ مدننا المتسوّلة التي تسقط خائبةً مثل سخلةٍ مذبوحةٍ
التي تغتصبنا بعصي المكانس من فروجنا
هي الغابات بحالها
أعلنتْ أمّي من المطبخ سقوط بغداد
كانت أممٌ ورؤوسٌ بشريّةٌ حليقةٌ لا نهائيّةٌ تقف في صالون البيت
وغاباتٌ مفضوحةٌ تنتحبُ
وليس ثمّة من غموضٍ سوى في كتبهم
وكلّما استعاروا من البحر زرقته ليصفّوا النوايا
تهاوت أمّهاتهم في أفواه الأقراش
ولو صدقتُ في أن أقول في قصيدةٍ "الحبّ أعمى كالمذابح"
كذبتُ
سينتقم منّي ضحاياها
لأني تماديتُ في التشبيه
وينزعون حبّك عن جلدي
كذبتُ حين شبّهتُ رغباتي بالنّمور
فالأخيرة جبّارة والأولى نذلة
حين استدرتُ عطف القرّاء على قلبي
فجعلته يذوي مثل يقطينةٍ وكذبتْ
تركته يصفرّ كأوراق العهد القديم وكذبتْ
حوّلته إلى اسفلتٍ يغلي وكذبتْ
وصفته بحفرة صرفٍ صحيٍّ وكذبتْ
أجسلته على خازوقٍ حادٍّ وكذبتْ
وما كان إلا طينًا أخرسْ
حين استبدلتُ جلسات العلاج النفسيّ
بقصائد مجانيّةٍ لأنجو
وأفرغتُ فيها أدمغة من سبقوني
فتعاظم الكذب مثل هشيمٍ في غابة
عفوًا
هل تماديتُ مرّةً أخرى؟
أقصد تعاظم الهـشـ.. الكـ.. الهشيم مثل كذب
المهم
ليست مشكلة الشعراء في أنّهم كذّابون
المأساة في تصديقهم الأعمى
..
..
كالمذابح
قصيدة مذبوحة
أنا معجبةٌ جدًّا بسير الأنبياء
قراءتها تشبه شراء ورقة يانصيب
ثمّت فانتازيا طويلة عن حياةٍ هانئةٍ
فارغة حتّى الكمال. متأمّلة لدرجة أنّك قد تسمع الله بأمّ أذنك. وقد تُلقّن كلامًا ولا في خيال إنسيّ.
وقد ترى ألوانًا فوق بنفسجيّةٍ وتحت حمراء. وقد تكلّم ضفدعًا. وقد تزيح عن قلبك ألم جبلٍ بأكمله. وقد تخلّص العالم من عادته في أكل فضلاته
هذه ليست لعبة يا محترمين
ليست نزهةً لكتابة قصيدةٍ تافهة
ليست هميانَ يومٍ في وادٍ عابر
تأمّل الأنبياء كثيرًا حتّى صاروا كذلك. تبصّروا وجَفَتْ حدقاتهم ضفاف بعضها حتّى قالوا لنا
ما ظللنا نردّده آلاف السنين.
أنا أيضًا أريد أن أقول كلامًا كهذا
فخيالي بحجم جحر فأرٍ. فئرانه اللماحةُ المتذاكيةُ وُجدت مذبوحةً على بابه
أريد أن أقول كلامًا عن الذّبح
عن الخيام التي ذُبحت في بلادٍ مذبوحة. عن أصحابها الذين سقطوا من فروج أمّهاتهم مذبوحين أصلاً
عن أمّهاتٍ يُذبحن في المخازن والآبار كالدّجاج بسكاكين أولادهم
هذه ليست لعبة يا محترمين
هذه ألوانُ فوق بنفسجيّة وتحت حمراء. حتّى الـacid لا يستطيع إليها. وعلينا أن نكون أنبياء أو مجانين حتّى نراها.
أريد أن أقول كلامًا عن بلادتي تجاه الوطن
وعن سوداويّتي التي لا تتوافق مع عمري الربيعيّ الذي يصنع الأمل
لست صانعةَ أملٍ ولا ما يحزنون
أغسل أدمغةَ أصدقائي وأقول لهم إنّ هذا الوطن بحجم جحر فأرٍ وأجرّهم إلى أبواب الطائرات
أريد أن أقول كلامًا عن هؤلاء الذين ليس لديهم طائرات ليجرّوا إلى أبوابها. ولمّا خرجوا ليطالبوا بطائرة، ذبحوا ورجعوا في ثلاجاتٍ مثل صناديق الخضار
لكنّي لن أقول
فعنقي قصير ولست أرى قيعان الآبار
حياتي مجرّد خطٍّ متكرّر من البيت إلى العمل ومن العمل إلى البيت
في الطريق أرى فتياتٍ يصعدن الحافلات بخفّة الدجاج
وأوراق يانصيب تنعف سماء المدينة
وأنبياء مذبوحون
ينهشهم الذباب
أنا وهولاكو
قرّرتُ أنّ أهدّئ من روع الابتسامات التي رسمتُها في وجوهكم
لا تصدّقوا هذه الطِيبة التي ورّثني إيّاها الفلاحون بالقوّة
فأنا ليس عندي غضبٌ على الآباء الذين يضعون أطفالهم في الأفران
أعتبره مجرّد تصحيح خطأ
ليس عندي غضبٌ على هولاكو
أعتبره فضوليًّا أكثر من اللازم
ليس عندي غضبٌ على الدكتاتوريّات التي تشبه تنانير الغجريّات المتسوّلات في البلاد الإسكندنافيّة
ليس عندي غضبٌ عليكَ. أوقعتَ المملحة على جرحي دون أن تقصد، مارًّا فوق صدري مثل نسرٍ. وعندما تجوع تمزّق خرافي بأظافركَ التي تظاهرتَ بأنّها أداةٌ للعزف على آلتكَ. كلانا عزف عن التفكير بالخراف. لم نَعُدْ نشفق عليهم بعد أن اختفوا تمامًا في معدتك.
غضبي المنسيّ مثل زقاقٍ في القدس القديمة
مثل صورنا التي لم تَعُد تفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
أسحقه مثل ناموسةٍ عجوزٍ وبطيئةٍ لا تفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
عندي تساؤلٌ بسيطٌ حول الموت الذي لا يفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
الموت الذي كان يرسمه هولاكو وهو في الخامسة
أنا شخصيًا كنت أرسم مشانقَ فارغةً مهيّأةً
وصواريخَ حرّةً ستحلّق في السماء مثل طيورٍ أسطوريّة
كبرتُ
وكبر ندمي على خيالي الشرير
وكنّا، أنا وندمي الذي لا يفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
نتفرّج على صواريخ تحلّق عاليًا في الجوار
ثمّ تسقط بلطفٍ على رؤوس أصدقائنا
بوزي المدبّب
أفكّر بالكهوفْ
أفكّر بالأمعاء الخاوية مثل الكهوفْ
أفكّر بالخواء الذي نحتاجه حتّى نخرج من أمعاء الزنازينْ
أفكّر بالزنازين
والكلاب التي عند أبوابها تبسط خصيتيها ذات اليمين وذات اليسار
هناك خارج هذا الكهف قطارٌ سريعٌ
وأناسٌ يدسّون أمعاءهم بالشّهوات ويطلّون من شبابيكه كفراخ الطيور من الأعشاش
أبوازٌ تفغر فغرًا
أبوازٌ مدبّبةٌ كأنّها قبل أن يصقل الله شكلها النّهائي
أبوازٌ تشبه المؤخّرات
قطارٌ سريعٌ تقوده قافلةٌ من الكلاب. ذات اليمين وذات اليسار. وهذا الكهف الوسط. الوسط يعني التحت. الوسط يعني الخارج
خارج الحياة أرى قصيدتي
أكتب عن الحبّ وأنتم تتعصّرون من الجوع
أكتب عن الجوريّة التي أزهرتْ في حديقتي
وفي ظلّها تَبْسِط قصيدتي خصيتيها
وتفضح عرضي
عرضي الذي فُضح بسببكم. أمعاء ١٦ ألف أسيرٍ تصير حبلاً عضليًّا طويلًا وتشنقني في حديقتي
ذات يمينهم حائطٌ
من عندي
نافذةٌ على البحر ودفترٌ دوّنت فيه
سؤالاً عن دور الكلب الغامض في سورة الكهف
أظافري تطول لأنّي أصرّ سدىً أن أعزف الجيتار
شعري يطول لأنّهم علّموني أنّ شعر الأنثى على الأغلب طويل
ثرثرتي التي تشبه الصّمت، تَطول
صمتي هذا الذي تسمعونه الآن
يَطول
ذات يسارهم حائطٌ يَطول ويوغل في نفسه
كأنّ الاسمنت جدٌ أو حفيدٌ أو جيلٌ بأكمله
من عندي
اسمنتٌ مفتوحٌ كالأبواز التي تشبه المؤخّرات
بابٌ سأخرج منه كي أَرفُش في بطن قصيدتي
وأستعيد شيئًا من كرامتي
سأبدأ بالتفكير بهذا الجدّ
لكنّي لم أرَ أيًا من أجدادي
بالجوع
لكنّي لا أسمح لنفسي بأن أعرفه جيّدًا
بالساعات التي تتكاثر فيها الوحدة مثل الجراد
لكنّى لا أكاد أَعُدّ منها حتى أنتهي في سريري الباذخ
بالسّجان
لكنّي أتخيّله أبلهًا ذا بوزٍ مدبّبٍ
ولسانٍ من ذاك الضرب الذي لا يُسَيطر على سحوله
بالظّلم
فأتحوّل إلى صحفيّة بوظيفةٍ كاملة
أفكّر برأسي الخاوي مثل كهفٍ
أفكّر بالحياة المروّعة التي ينبغي أن أحشوها في رأسي حتّى أخرج بقصيدة جيّدة
انعكاس
أمس، سلّمتُ قصائدي كلّها للناشر. أشعر بأنّي سلّمتُه رأسي
وأنّ الكلمات التي سأنطق بها بعد الآن
ستَخرج من فمه
يا لهول المصيبة
المصائب لا تأتي فرادى، بل جحافل مثل قطيعٍ جائع
هكذا قال مرّة شاعرٌ ومات
أما أنا فلم أقل شيئًا
منذ أن فرّطت بقصائدي
صار الشّعراء يسكرون كلّ ليلةٍ تحت شبّاكي ويلقنوني قصائد حكيمة
وأنا أمقت الحكمة، وأمقت أفعال الأمر
دعوتهم إلى بيتي، نحرتهم مثل خرافٍ سمينة وتعشّيت عليهم
ومع ذلك، لم أسترجع صوتي الذي رأيته من الشّباك مصلوبًا على قمّة الجبل
أصبحت مجرّد انعكاسٍ لشجرةٍ جرداء في بقعة ماء على الطريق
لا تعبروا فوقي
وظلّلوني من شمسٍ قد تمرّ فتبخّر جذعي
ربّما عندها سأقول كلمتي
سأقول إنّ المصائب قد تخمد إن لم تطعموها مزيدًا من الحطب
لكنكم لم تسمعوني
وكان الجبل من حطبْ
أسطورة
اشتقّ العربُ لفظة "أسطورة" من اللفظة اللاتينيّة "Istoria"، أي تاريخ. وكان ذلك أذكى ما فعلوه
كان التاريخ كلبٌ مقيّدٌ إلى شجرة. فمرّ الناس وأشفقوا على حريّته التي يسيلُ لعابها من الجانبين. تمتموا كلماتٍ ومضوا. مرّ آخرون وطبطبوا على ظهره، فنبحت نواياهم وفزعوا. مرّ آخرون وركلوه كأنّه حجر عثرة، لكنّه لعق أقدامهم وكانت حلوةٌ على لسانه. أما الكلب، فلم يكن يفكّر سوى بالطريقة التي يستطيع فيها أن يكون هو الشجرة وأن يكون المارّون مربوطين إلى جذعه.
Editor’s Note: These poems were first read at a literary event, I’m the Stranger, organized by the Mahmoud Darwish Chair at BOZAR in Brussels on September 19, 2018.